كثيرة هي القصص الواقعية و المآثر الجميلة التي نسمعها ونمر عليها يوميا, وقد لا يكون لها أي أثر علينا في غمرة الحياة المعاصرة و انغماسنا في عصر السرعة والتسرع والقلق, لكن عند خطب ما او حدث قد يرجعنا الى طبيعتنا الانسانية ندرك مدى عمقها وانسانيتها وما تحمله من طمأنية و حكمة و رضى و معاني جميلة تكاد تفقد في وقتنا المعاصر.
من العمود للعمود فرج
يحكي ان رجلا حكم عليه ظلما بالاعدام شنقا, فبقي في سجنه دائم الدعاء الى الله طالبا منه الفرج, وكلما اقترب موعد الحكم النهائي يشتد ضيقه وحزنه فيلجؤ الى الدعاء والرجاء, الى ان جاء اليوم المشهود, فاخذ المسكين امام الملأ ليطبق عليه حكم الاعدام شنقا.
فوقف الرجل امام عمود المشنقة في جمع من الناس, وايقن أن الموت آت حتما طأطأ رأسه و أوكل أمره لله في يأس و حزن شديدين, وعند مباشرتهم تنفيذ الحكم وجدوا أن عمود المشنقة قصير فقرر جلادوه تغييره بآخر أطول و لما غيرو العمود وجدوه أطول مما يلزم فقررو تبديله أيضا, فقال المسكين في نفسه ربما ازدادت لي أنفاس معدودة في هذه الحياة ولما جاؤوا بعمود ثالث طلع على المقاس فلفوا الحبل حول عنقه, أذعن الرجل وسلم لهول المصيبة.
وفي غمرة الهول جاء مناد من قبل السلطان ان اتركوا الرجل فانه بريء وقد تم القبض على المجرم وثبتت جريمته واعترف بها, حينها تنفس المسكين و حمد الله وقال كلمته المشهورة من العمود للعمود فرج فبقيت الاجيال تكررها كرمز للجلد وقوة الايمان والتوكل.
جائني من باجة وذبحت له جاجة روحتلو لسوس وذبح لي عتروس
كان رجلا من باجة له صديق من سوس فاشتاق له فحمل على بعيره ليزوره و لما بلغ سوس استقبله صديقه فرحا باللقاء بعد طول فراق.
و أدخله بيته وذهب الى زوجته فرحا فقال لها هذا صديقي و هو ضيقي اليوم فيجب ان نكرم مثواه و سأذبح الذبائح وأعد وليمة تليق بقدره ومكانته, وكانت زوجته شديدة البخل فاشتاطت غضبا وقالت ان هدا تبذير و اسراف لا يجوز فيكفي ان يذبح لصديقه دجاجة فرد الرجل هل تريدين ان يقال عني: ( جائني من باجة وذبحت له دجاجة ), فاصرت المرأة ان يفعل والا ستغادر البيت وتتركه و ضيفه, فاضطر الرجل ان يفعل ذلك ويذبح دجاجة ارضاء لزوجته فقد كان له معها اولادا صغارا أيضا, وقبل مغادرة صديقه الذي من باجة ذهب رجل سوس واختار تيسا من احسن ماشيته وذبحه وسلخه و وضعه في كيس واعطاه لصاحبه راجيا منه ألا يفتح الكيس حتى يصل بيته.
فلما رجع صاحب باجة الى بيته فتح الكيس فوجد فيه تيسا حنيدا معدا بأكمله ففرح و قال: ( رحتلو لسوس وذبح لي عتروس ), وبذلك حافظ الرجل الكريم صاحب سوس بحكمته على ماء وجهه وعلى اهل بيته.
الحسد داء ما له دواء
في مدينة اشتهر اهلها بالتلصص و مراقبة بعضهم بعضا, سمع شيخ منها ان غريما له فاز بقرعة الحج في حين لم يفز هو, فجمع اولاده على جناح السرعة في جلسة طورئ طالبا منهم ان يتدبروا له فورا جوازا للحج فلا يعقل ان يذهب غريمه ويضطر هو للتوديع والاستقبال فقط فيجب ان يودع هو و يستقبل ايضا فغريمه ليس بأفضل منه.
وبعد أخذ و رد و جهد و تعب تمكن اولاذه ان يشتروا له جوازا من احدى البعثات, ففرح الشيخ و توجه الى البلاد المقدسة كما فعل غريمه فلا أحد افضل من أحد, وفي الأرض المباركة مرض غريمه وذهب الى المستشفى فأخبروه ان كليته تعبانة وكانت له كلية واحدة فقط وان لم يغيرها ويجد متبرعا فسيموت, فسمع الشيخ بذلك فذهب مسرعا وتبرع له بكلية!
و لما عاد من الحج سأله ذويه:
كيف جازفت بحياتك و تبرعت لغريمك بكليتك و لم تتركه يمت؟
فأجاب الشيخ:
أتريدونني ان أتركه يموت بأرض النبي (ص) و يدفن بها ليجاور النبي وصحابته و أبقى أنا و الله لن ينال هذا الشرف و لو اضطررت للموت.
العزوف عن الزواج
حكى احد الاصدقاء عن شاب طيبا خلوقا كان يعرفه وكان الأخير يعزف عن الزواج, وكان الصديق ينصحه دائما ويعرض مساعدته و لطيبة الشاب و مثابرته وصفاء سريرته و دماثة خلقه كان يقول له: انت لا ينقصك شيئا سوى الزوجة الصالحة, وكان الشاب يأبى و يتحجج.
وذات يوم جاءه الشاب وقال انه يريد الزواج ففوجئ الصديق بذلك وسأله ما الذي غير رأيه فأجاب الشاب انه نام البارحة على وضوء, وفي المنام حلم بانه في الجنة فكان المنظر رائعا, ماء يجري و أشجار خضراء وطيور تغرد و طعام وفير و أناس فرحين عليهم ثياب جميلة أكيد أنه كان في الجنة, و كان يطوف على هؤلاء أطفال صغار كأنهم الأقمار يحملون في أيديهم أكوابا و أباريق يسقون بها الحاضرين, و اذا وصلو عند الشاب مروا عليه مرور الكرام, فقال الشاب فحز في نفسي ذلك و آلمني فسألت أحدهم لماذا انا لا تسقونني؟ فاجابه بأنه أعزب و لم يحاول انجاب الأولاد, فأفقت من منامي عازما على الزواج.
فأخبره الصديق أن هذا هدي من الله و رحمة وقد تزوج الشاب ورزقه الله زوجة صالحة واطفالا نجباء ينشرون الفرح والسعادة حوله.
فالزواج شرط لحصول الانجاب الطبيعي و لكن ليس كل زواج يؤدي الى انجاب, فمسألة الانجاب قضاء وقدر وعطاء من الله, فلا جرم في المحاولة و القيام بسنة من سنن الحياة و الدين و محاولة بناء أسرة سعيدة.
تعليقات
إرسال تعليق